ملحم بركات… موسيقار لبنان الذي لا يتكرّر كان اسمه يكفي ليهتزّ المسرح… وكان صوته، حين يعلو، يذكّر اللبنانيين بأن في هذا البلد موسيقى لا تموت، وإن مات أهلها

ملحم بركات… موسيقار لبنان الذي لا يتكرّر
كان اسمه يكفي ليهتزّ المسرح…
وكان صوته، حين يعلو، يذكّر اللبنانيين بأن في هذا البلد موسيقى
لا تموت، وإن مات أهلها.
إنه ملحم بركات… موسيقار من لبنان،
وفنانٌ وملحنٌ عصيٌّ على النسيان،
لقّبه الناس بـ الفنان المثير والثائر،
لأنه كان يغنّي كمن يشعل ثورة،
ويعزف كمن يصنع وطنًا من نغمٍ واحد.
طفولة من خشب… وصوت يولد من نشيد الريح
في 15 آب 1945، وُلد ملحم في كفرشيما،
في بيتٍ متواضع، حيث كان الأب يعمل بالنجارة،
وكان الخشب أول موسيقى يسمعها الصبي.
تعلّم البساطة من بيته،
وتعلّم الشغف من والده الذي كان يطربُ للعود،
فورث من والده حبّ الفن…
وورث من البلدة القصائد التي تمشي على الطرقات.
الحياة أخذته إلى الفن، والزواج أخذ قلبه إلى محطاتٍ كثيرة،
لكنه بقي أبًا عطوفًا، وصوتًا لا يشيخ،
ورجلًا يعرف أن البيت الحقيقي… هو الأغنية
البداية: مدرسة تهجرها الموهبة
ترك ملحم المدرسة في السادسة عشرة،
لا هربًا… بل متابعةً لصوته الداخلي.
دخل المعهد الوطني للموسيقى سرًّا،
كان يخفي كتبه أمام باب المنزل،
وعندما اكتشف والده الأمر…
استسلم الأب لصوتٍ أقوى من كل المنع:
رغبة ابنه في أن يصبح موسيقيًّا.
هناك، في المعهد، تعلم العود كما لو كان يلملم حكاية عمره،
وتأثر بمحمد عبد الوهاب،
لكنّه ظلّ ملحمًا… لا نسخة عن أحد.
رحلة الصعود: نبرة لا تشبه سواها
أغنيته الأولى كانت وعدًا:
“الله كريم بنرجع ع ضيعتنا”
أمّا لحنه الأول، “بلغي كل مواعيدي”،
فكان فاتحة الطريق نحو شهرةٍ عريضة.
في السبعينيات، صار اسمه مرادفًا للإبداع:
لحّن لصباح أجمل أغاني مسرحية “حلوة كتير”،
ووضع ألحانًا خالدة لوديع الصافي،
ولماجدة الرومي،
ولوليد توفيق،
وأضاء بأوتاره أسماء كثيرة.
وقف على مسارح الرحابنة، وغنّى أمام فيروز،
ومات وفي قلبه عتب صغير…
وهو العتب الذي لا يجرؤ عليه إلا الكبار.
مثّل في المسرح والسينما:
“الأميرة زمرد”، “الربيع السابع”، “ومشيت بطريقي”،
وكان بطل فيلم “حبي لا يموت”…
وكأنه يعلن أن الحبّ، والفنّ، والصوت… خالدون.
أسلوبه… مدرسة من نار وذهب
كان ملحم يقاتل من أجل التراث،
ويطوّره دون أن يذيب هويته.
صوته كالسيف،
طبقاتٌ لا حدود لها،
إحساسٌ حاد،
وتوقيعٌ خاصّ لا يُقلَّد.
وكان للشاعر نزار فرنسيس مقامٌ خاص في حياته،
رفيق الدرب الطويل،
وصاحب الكلمات التي صارت جزءًا من روحه.
إرث لا يغيب: أغانٍ تبقى… وبلدٌ يغنّي بصوته
13 ألبومًا، وأكثر من 107 أغنيات،
غنّى فيها عن لبنان كما لو كان أمّه:
“موعدنا أرضك يا بلدنا”
“رح تبقى الوطن”
“بلادي ومين ما بيعرف جمالها”
وخصّ الرئيس إميل لحود بأغنية
“من فرح الناس جايي”.
نال جوائز وأوسمة كثيرة،
وأطلق عليه جورج إبراهيم الخوري لقب
“الموسيقار”…
وهو لقبٌ التصق به كما تلتصق الروح بالجسد.
الوداع… والنبرة التي بقيت في الهواء
رحل ملحم بركات في 28 تشرين الأول 2016،
بعد أشهرٍ من الألم في العمود الفقري والرئتين،
لكن صوته لم يضعف…
بل بقي أعلى من المرض.
نعاه نزار فرنسيس قائلًا:
“اليوم خسرتُ أغلى رجل في حياتي”،
وقالت عنه رندة عاصي بري:
“أكثر من أعطى للبنان… وأغناه بالفن الهادر”.
ختامٌ يشبه بداية الأغنية
قد يغيب الجسد،
لكن الموسيقى لا تعرف الرحيل.
وملحم بركات…
هو اللحن الذي سيظلّ يفتح باب السماء
كلّما غنّى لبنان.





