محمود مبسوط… نجمٌ انطفأ على الخشبة انطفأ فهمان قبل أوانه، وأخلف موعده مع الأوّل من آب، اليوم الذي اعتاد أن يملأه ضحكًا وفخرًا وعروضًا يقدّمها حبًّا بالجيش والوطن. للسنة الأولى، غاب الصوت الذي حمل البسمة إلى وجوه اللبنانيين، وغاب صاحبه، محمود مبسوط، على الخشبة نفسها التي أحبّها وعاش عليها.

محمود مبسوط… نجمٌ انطفأ على الخشبة
انطفأ فهمان قبل أوانه، وأخلف موعده مع الأوّل من آب،
اليوم الذي اعتاد أن يملأه ضحكًا وفخرًا وعروضًا يقدّمها حبًّا بالجيش والوطن.
للسنة الأولى، غاب الصوت الذي حمل البسمة إلى وجوه اللبنانيين،
وغاب صاحبه، محمود مبسوط، على الخشبة نفسها التي أحبّها وعاش عليها.
كان رحيله، في 25 تموز، لحظةً تختصر مسيرة عمرٍ كامل،
فهوى نجمُ الكوميديا الشعبيّة،
وأسدل ستارًا ثقيلًا على فصلٍ مجيد من تاريخ الفن اللبناني.
مات كما عاش: واقفًا على المسرح، يواجه الجمهور،
كأنّ قدميه تأبَيان أن تفارقان ضوء الخشبة.
من طرابلس… إلى ذاكرة الوطن
وُلد محمود مبسوط عام 1941 في طرابلس.
ولد ضاحكًا… عاشقًا للعب، نافِرًا من الصفوف والكتب،
راسبًا ستّ مرّات، لكنّ نجاحه الحقيقي كان ينمو في مكان آخر:
في السكتشات الأولى التي كوّنها مع رفاقه،
وفي خيطٍ من شغف كان يشدّه نحو الفنّ رغم المنع والعقاب وإقفال الأبواب.
هرب من غرفته بحبل tied إلى الشرفة،
هرب من “حرام” الأب إلى “حلال” المسرح،
وإلى قلوب الناس الذين عرفوا فيه الوجه البسيط،
النكتة العفويّة، والبطل الشعبيّ الذي يشبههم.
وفي أفريقيا، حيث أُرسل ليعمل في الخياطة،
صعد نجمُه صدفةً وبساطة،
فقدّم العروض في بيوت اللبنانيين هناك،
وأدرك الجميع أنّ هذا الفتى خُلق للمسرح،
حتى أعادوه إلى لبنان، إلى القدر الذي ينتظره.
ولادة فهمان… ولادة الأسطورة
مع بدايات التلفزيون اللبناني، التحق محمود مبسوط بالروّاد:
شوشو، محمد شامل، الياس رزق، أنطوان ريمي، وغيرهم…
وكان العصر الذهبي قد بدأ.
عام 1962 وُلدت شخصية فهمان،
البسيط، المحتال بخفّة، الطيّب الذي “يفهم أقلّ ممّا يجب”،
لكنه يضحك أكثر ممّا يحتملُ القلب.
شخصيّة خطفت الأضواء وطبعت ذاكرة جيلٍ كامل،
فصار اسمه اسمها… واسمها اسمه.
كان يرتجل على الخشبة، لا يحفظ نصوصًا،
يصنع نكاته لحظةً بلحظة،
ويضحك قبل أن يضحك الجمهور،
كأنّه يعرف أنّ الضحك رزق،
وهو كان ملكًا على هذا الرزق.
بين الرحابنة والشاشة والسينما
عمل مع الأخوين الرحابنة،
ومثّل في «سفر برلك» و«بنت الحارس»،
وقدّم 33 فيلمًا، و25 مسرحية،
وتنقّل بين الكبار: محمد سلمان، سمير الغصيني،
عاطف الطيّب، زياد الدويري، برهان علويّة…
عام 2001 جمع الرفاق من جديد،
وأطلق فرقة «طقّش فقّش»،
كأنّه يريد أن يستعيد زمنًا جميلًا
كان الجمهور فيه يعانق المسرح كما يعانق الحياة.
كان يقول دائمًا:
«الحياة مزحة… وفرصة للابتهاج من دون تكلفة».
وهكذا عاشها.
رحيلٌ لا يُعوَّض
يقول صلاح تيزاني:
«غياب فهمان خسارة لا تُعوّض…
قد يأتي مثله، لكن لن يأتي أفضل منه».
برحيله، خسر الفن اللبناني ركنًا من أركانه،
وخسر الناس ضحكةً كانت صافية…
ضحكة تشبه خبز الأمّ وماء العين.
انطفأ فهمان،
لكن صوته ما زال يتردّد في بيوت لبنان…
وفي ذاكرة جيلٍ ما زال يضحك عندما يراه،
ويهتزّ قلبه حين يفتقده.
سلامٌ لروحك يا فهمان…
يا نجمًا انطفأ،
لكنّ ضوءه بقي.








