صلاح الدين التيزاني… “أبو سليم” نكهة الضحك الطرابلسي وروح الزمن الجميل من زواريب طرابلس العتيقة… من مدينةٍ تشبه الحكايـة حين تُروى، خرج فنانٌ لا يشبه إلا نفسه، رجلٌ جعل الضحكة مهنته، والبساطة رسالة، والكلمة الطيبة جسراً يمرّ فوق التعب. إنه صلاح الدين التيزاني، كما عرفه كل اللبنانيين: “أبو سليم”، أيقونة الكوميديا الشعبية، ورفيق البيوت منذ الزمن الذي كان التلفزيون نافذةً على الفرح

16/11/2025
1763247452251

صلاح الدين التيزاني… “أبو سليم” نكهة الضحك الطرابلسي وروح الزمن الجميل

من زواريب طرابلس العتيقة… من مدينةٍ تشبه الحكايـة حين تُروى، خرج فنانٌ لا يشبه إلا نفسه، رجلٌ جعل الضحكة مهنته، والبساطة رسالة، والكلمة الطيبة جسراً يمرّ فوق التعب. إنه صلاح الدين التيزاني، كما عرفه كل اللبنانيين: “أبو سليم”، أيقونة الكوميديا الشعبية، ورفيق البيوت منذ الزمن الذي كان التلفزيون نافذةً على الفرح.

البداية… حين تولد الموهبة قبل أن يُفتح الستار

وُلد في 15 آذار 1929 في طرابلس، في بيتٍ بسيطٍ لم يكن يعرف أن بين جدرانه يكبرُ أحدُ أبرز روّاد الفن الهزلي. كبر الصبي يتابع الأعراس الشعبية، يسرق من الناس ضحكاتهم ليعيد رسمها، ويمتلك خفّة ظلّ لا تحتاج إلى تدريب، وبديهة جعلت كل من شاهده يوقن: هذا الولد… وُلد ليمثّل.

في الحارات الطرابلسية، كانت أولى خشباته، وكان الجمهور أبناء الحي، يضحكون لأن الضحكة كانت تشبههم.

الطريق إلى الشاشة… وصنعة الضحك الأصيل

قبل أن يعرفه التلفزيون، كانت خشبات المسارح الصغيرة تعرفه جيدًا، تصفّق لارتجاله الذي جاء من القلب، وتبتسم لعفويته التي لا تُصنع.

ومع انطلاق تلفزيون لبنان في أواخر الخمسينيات، كان أبو سليم واحدًا من الأعمدة الأولى التي قامت عليها كوميديا التلفزيون. ومن برنامج “أبو سليم” بدأت الحكاية… حكاية الرجل الذي يدخل البيوت بلا استئذان، لأنه ضيفٌ خفيف، وصاحب ظلّ لا يُقاوَم.

شخصية “أبو سليم”… مرآة المواطن البسيط

لم تكن شخصية “أبو سليم” مجرد دور، كانت رجل الحارة، الجار الطيب، صاحب النكتة السريعة، والقلب الذي يعرف أن الفرح دواء.
كان ينتقد الواقع… ولكن بابتسامة، يضحك الناس… ولكن دون إساءة، ويقدّم كوميديا نظيفة، تصلح للبيوت التي كانت تتحلق حول التلفزيون كما تتحلق العائلة حول مائدة العشاء.

رفاق الضحكة… عائلة فنية لا تُنسى

معه وقف شكري بخفة دمه، وفهمان بذكائه الكوميدي، وفؤاد قبلان، وآخرون صنعوا معًا عائلة فنية لا تزال مشاهدها تتكرر في ذاكرة اللبنانيين كما لو أنها عُرضت أمس.

كانوا أكثر من فرقة، كانوا لوحة من الزمن الجميل، كوميديا الناس البسطاء حين كان الضحك نقياً مثل ماء الينابيع.

أسلوبه… حين يصبح الارتجال فنًا قائمًا بذاته

يعرف أبو سليم كيف يصنع النكتة من تفاصيل الحياة: من بابٍ يُقرَع، من سوء تفاهم صغير، من حركة غير مقصودة… يحوّل اليوميّ إلى مشهد يضحك الكبار والصغار.

لا ابتذال، لا إسفاف، لا صراخ… فقط كوميديا إنسانية تعيش رغم تغيّر الزمن.

إرثه… ضحكة لا تشيخ

بعد توقف برنامجه مع اندلاع الحرب عام 1975، ظلّ أبو سليم حاضرًا، ليس على الشاشة فقط، بل في الوجدان.

شارباه الكثّان، لباسه الشعبي، قميصه الملوّن، وابتسامته التي لا تفارق الذاكرة… كلّها تفاصيل صارت جزءًا من تراث لبنان الفني.

حتى اليوم، ما زال الجمهور يستعيد مقاطعه كما لو كان يراها للمرة الأولى، لأن الضحك الصادق لا يهرم، ولأن الشخصيات التي تُولد من حب الناس تبقى حيّة في قلوبهم.

تكريم الرئيس جوزاف عون… حين يكرّم الوطن أحد أبنائه

وفي محطةٍ مؤثرة، أتى تكريم الرئيس جوزاف عون لهذا العملاق ليحمل معنى أكبر من الاحتفاء.
فحين يقف قائدٌ وطني بحجم الرئيس عون أمام فنانٍ بحجم أبو سليم، تصبح اللحظة لقاءً بين رمزين:
رمزٍ حمل سلاح الدفاع عن الوطن، ورمزٍ حمل سلاح الضحكة في أصعب الأيام.

كان التكريم اعترافاً بقيمة رجلٍ صنع وحدةً من نوع آخر… وحدةً في الضحك، في الفرح، وفي الذاكرة.
ولأن أبو سليم ابن طرابلس وكل لبنان، جاء تكريم الرئيس جوزاف عون بمثابة انحناءة احترام لفنانٍ جعل الناس تبتسم رغم كل شيء، وأثبت أن البساطة قادرة على أن تهزم الوجع.

خاتمة… أبو سليم، رجلٌ من زمن الضحك الحقيقي

صلاح الدين التيزاني ليس مجرد ممثل، إنه ذاكرة وطن، صوت الزمن الجميل، والضحكة التي رافقت اللبنانيين في أيام الفرح والحزن معًا.

هو أبٌ روحي للبساطة، ورائدٌ لكوميديا نظيفة علّمت الأجيال أن الضحك رسالة… وأن الفن، حين يكون صادقًا، يُعمَّدُ بالخلود.


Latest posts



About us

Leverage agile frameworks to provide a robust synopsis for high level overviews. Iterative approaches to corporate strategy foster collaborative thinking to further the overall value proposition. Organically grow the holistic world view of disruptive innovation via workplace diversity and empowerment.


CONTACT US

CALL US ANYTIME