العملة الرقمية في لبنان: بين غياب التنظيم وتحديات السيادة النقدية. في ظل التحولات الجذرية التي يشهدها النظام المالي العالمي، تبرز العملات الرقمية كأحد أبرز التحديات القانونية والاقتصادية التي تواجه الدول، ولبنان ليس استثناءً. فعلى الرغم من الانتشار المتزايد للعملات المشفّرة مثل “البيتكوين” و”الإيثيريوم”، لا يزال الإطار القانوني اللبناني يفتقر إلى أي نص تشريعي صريح يُعرّف هذه العملات أو يُنظّم تداولها أو يُحدّد الجهة الرقابية المختصة بها. فالقانون اللبناني

20/11/2025
IMG-20251113-WA0097

العملة الرقمية في لبنان: بين غياب التنظيم وتحديات السيادة النقدية.

في ظل التحولات الجذرية التي يشهدها النظام المالي العالمي، تبرز العملات الرقمية كأحد أبرز التحديات القانونية والاقتصادية التي تواجه الدول، ولبنان ليس استثناءً. فعلى الرغم من الانتشار المتزايد للعملات المشفّرة مثل “البيتكوين” و”الإيثيريوم”، لا يزال الإطار القانوني اللبناني يفتقر إلى أي نص تشريعي صريح يُعرّف هذه العملات أو يُنظّم تداولها أو يُحدّد الجهة الرقابية المختصة بها. فالقانون اللبناني، سواء في قانون النقد والتسليف (لا سيما المواد 69 و70 المتعلقة بصلاحيات مصرف لبنان)، أو في قانون العقوبات (المادة 209 التي تُعرّف المال)، لا يتضمن أي إشارة مباشرة إلى الأصول الرقمية، ما يجعل التعامل بها خارج الإطار القانوني المنظّم، ويُعرّض المتعاملين بها لمخاطر قانونية ومالية غير محسوبة. وقد اكتفى مصرف لبنان حتى تاريخه بإصدار تعاميم تحذيرية، أبرزها التعميم رقم 9/2013، الذي نبّه إلى مخاطر العملات المشفّرة، دون أن يُصدر أي تنظيم أو إطار قانوني يُحدّد كيفية التعامل معها أو الجهات المخوّلة بترخيصها أو مراقبتها. هذا الغياب التنظيمي ينعكس على المصارف التجارية التي ترفض التعامل مع شركات التداول المحلية، وعلى شركات الوساطة التي تعمل في بيئة غير منظمة، ما يفتح الباب أمام شبهات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، في ظل غياب تطبيق فعّال لقانون مكافحة تبييض الأموال رقم 44/2015. في المقابل، تتجه دول المنطقة والعالم نحو تنظيم هذا القطاع ضمن أطر قانونية واضحة، كما فعلت الإمارات عبر “هيئة تنظيم الأصول الافتراضية”، والسعودية عبر البنك المركزي، والاتحاد الأوروبي عبر لائحة MiCA (Markets in Crypto-Assets Regulation) التي تُعدّ مرجعًا تشريعيًا متكاملًا. أما في لبنان، فإن التأخر في التشريع يعود إلى غياب التنسيق بين الجهات المعنية، وتخوّف مصرف لبنان من فقدان السيطرة على السيولة في ظل الأزمة المالية المستمرة، إضافة إلى غياب الإرادة السياسية لتحديث البنية القانونية بما يتماشى مع التطورات العالمية. لذلك، فإن المطلوب اليوم هو إصدار قانون لبناني خاص بالأصول الرقمية، يُعرّفها قانونًا، ويُحدّد الجهة الرقابية المختصة، ويُلزم شركات التداول بالتسجيل والترخيص، ويُخضعها لرقابة مصرف لبنان وهيئة الأسواق المالية، ويُعدّل قانون النقد والتسليف لتوسيع صلاحيات المصرف المركزي في هذا المجال، بما يضمن حماية السيادة النقدية، ويمنع الانفلات المالي. فالعملة الرقمية ليست مجرد تقنية مالية، بل هي تحدٍّ قانوني وسيادي، يتطلب من لبنان أن ينتقل من موقع المتفرج إلى موقع المنظّم، حفاظًا على مصالح الدولة والمواطن، وتحصينًا للاقتصاد من المخاطر العابرة للحدود، ضمن إطار قانوني متكامل يوازن بين الابتكار والرقابة.
المحامي كميل حبيب معلوف
بيروت في 19/11/2025


Latest posts



About us

Leverage agile frameworks to provide a robust synopsis for high level overviews. Iterative approaches to corporate strategy foster collaborative thinking to further the overall value proposition. Organically grow the holistic world view of disruptive innovation via workplace diversity and empowerment.


CONTACT US

CALL US ANYTIME