الكيد السياسي: أزمة أخلاق قبل أن تكون أزمة نظام. المحامي كميل حبيب معلوف في لحظة وطنية دقيقة تتكاثر فيها الأزمات وتتآكل فيها ثقة الناس بمؤسساتهم، يطلّ الكيد السياسي كأحد أخطر الأوبئة التي تنهش جسد الدولة اللبنانية

الكيد السياسي: أزمة أخلاق قبل أن تكون أزمة نظام. المحامي كميل حبيب معلوف
في لحظة وطنية دقيقة تتكاثر فيها الأزمات وتتآكل فيها ثقة الناس بمؤسساتهم، يطلّ الكيد السياسي كأحد أخطر الأوبئة التي تنهش جسد الدولة اللبنانية، لا بضجيج المواجهات بل بصمت التعطيل. فحين تُصبح المؤسسات رهينة الحسابات الضيقة، وتُدار الملفات بعقلية النكاية لا بروح المسؤولية، تُصاب الدولة بالشلل، ويُدفع الموظف العام إلى هامش الحيرة بين واجبه المهني وضغوط الانتماء. والمؤسف أن هذا الكيد لا يُمارس في العلن فحسب، بل يتسلل إلى تفاصيل التعيين، والتمويل، والتشريع، فيُفرغ النصوص من مضامينها، ويُحوّل القانون من مرجعية إلى أداة، والإدارة من مساحة خدمة إلى ساحة تجاذب.
لكن رغم هذا الواقع، تبقى مؤسسات الدولة اللبنانية، من رئاسة الجمهورية إلى أصغر دائرة إدارية، هي الركيزة التي يُبنى عليها الأمل، وهي الإطار الذي لا بديل عنه لحماية المصلحة العامة. وفي هذا السياق، لا بد من التوقف عند النية الصادقة التي عبّر عنها فخامة رئيس الجمهورية في أكثر من مناسبة، حين شدّد على ضرورة احترام الدستور، وصون القانون، وتغليب المصلحة الوطنية على أي اعتبار آخر. إن حبّه للبنان، وإيمانه بالدولة، وحرصه على المؤسسات، تشكّل دعامة أخلاقية ومعنوية لا يُستهان بها في وجه منطق التعطيل.
إن الدولة، بمفهومها العميق، لا تقوم على الغلبة، بل على التوازن، ولا تُبنى على الولاء، بل على الكفاءة، ولا تُصان بالتحاصص، بل بالعدالة. ومن موقع الحريص لا الخصم، نقول: إن تحصين المؤسسات من الكيد، وحماية الموظف من التسييس، وإعادة الاعتبار للوظيفة العامة كخدمة لا كغنيمة، هو المدخل الحقيقي لأي إصلاح. فالدولة التي تُدار بالكيد، لا تُنقذها النوايا وحدها، بل تُنقذها الإرادات الواعية، والضمائر الحيّة، والعودة إلى منطق الدولة لا منطق الغلبة.
المحامي كميل حبيب معلوف
بيروت في :٢٠٢٥/١١/١٨

